وكأننا في معرض دائم للخردة المتحركة، تواصل شركة “ألزا” الإسبانية تقديم خدماتها إن صح تسميتها كذلك لساكنة مدينة طنجة، عبر أسطول مهترئ من الحافلات التي تصلح لكل شيء إلا لنقل البشر.
ورغم الوعود والشعارات المكررة عن “نقل حضري عصري”، فإن الواقع اليومي يكشف عن مهزلة حقيقية، وسط صمت مريب من طرف مجموعة جماعات البوغاز، التي يرأسها عمدة مدينة طنجة ،منير ليموري، حيث يظهر أنها تفضل لعب دور المتفرج على مسرحية من فصل واحد: الإهانة المتنقلة.
و مازالت شوارع عاصمة البوغاز تشهد مرور حافلات لا تختلف كثيرا عن الحافلات المهجورة في ساحات الخردة: مقاعد مكسورة، نوافذ لا تفتح أو لا تغلق، روائح كريهة لا تطاق، وسائقون محاصرون بآلات تحتضر في كل لحظة.
أما راكب اليوم، فهو في مهمة شاقة: التسلح بالصبر، الكمامة، وأحيانا الدعاء، كي لا يتعطل المحرك وسط الطريق.
وفي ذات السياق، يبدو أن خطوط النقل تم تحديدها بناء على لعبة “رمي النرد”، إذ إن مناطق بكثافة سكانية عالية لا تصلها الحافلات إلا نادرا، أو يكون عددها قليل، بينما تمر ثلاثة خطوط من أمام عمارة واحدة لا يسكنها أحد.
المفارقة؟ لا أحد يجيب، ولا أحد يحاسب.
وفي هذا الإطار، عاشت ساكنة طنجة فصلا جديدا من هذه المسرحية البائسة يوم الجمعة 30 ماي الماضي، حيث توقفت الحافلة التي تؤمن خط I5 “إيبيريا – نونينويش” بشارع سيدي محمد بن عبد الله لأزيد من نصف ساعة، بسبب عطل ميكانيكي.
وظلوا الركاب في الحافلة وسط دهشة واستياء، إلى أن وصلت حافلة بديلة أكثر قدما وربما أقل حظا لتكمل “الرحلة الأسطورية”.
ويبدو أن دفتر التحملات، ذاك الوثيقة التي يُفترض أن تضمن الكرامة للمواطن والالتزام من الشركة، قد تحول إلى دفتر مذكرات قديم ترك على الرف، دون مراقبة أو محاسبة.
وتستفيد الشركة الإسبانية من المال العام، والجماعة تلوذ بالصمت، والمواطن يدفع الثمن مرتين: مرة من جيبه، ومرة من أعصابه.
ويمكن القول إن “ألزا” لا تقدم نقلا حضريا، بل دروسا يومية في الصبر، وجولات ميدانية مجانية داخل متحف الحافلات المنسية، وبين صمت الجماعة وتجاهل الشركة، يبقى السؤال: متى سيتم توقيف هذه المهزلة؟ أم أن قدر الطنجاوي أن يتنقل على متن الخردة، تحت شعار: “طنجة تتنفس الدخان والانتظار”؟