بينما يعاني سكان الشمال المغربي من الحفر التي تعد بالمتر، والبطالة التي تقاس بالعمر، والبنية التحتية التي تستغيث، يبدو أن منتخبينا وجدوا حلاً عبقرياً: الهروب الجماعي نحو الجنوب، لكن ليس جنوب المملكة المغربية، بل جنوب إسبانيا!
نعم، حيث الشمس دافئة، والبحر نظيف، والشوارع مرقمة، والبيروقراطية أقل وقاحة.
وفي هذا الإطار، كشفت جريدة الصباح أن عمدة مدينة طنجة، منير ليموري، التحق بركب “العارفين بخبايا الاستثمار”، واقتنى عقاراً فاخراً بمنطقة “سوطو غراندي” الراقية ،هاته المنطقة المعروفة ليس فقط برُقيها، بل بقدرتها العجيبة على جذب المسؤولين المغاربة أكثر من جذبها للسياح البريطانيين.
ويبدو أن العمدة مثل كثير من زملائه اقتنع بأن “الخير لايدوم هنا”، فاختار أن يؤمن مستقبله هناك، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الراحة.
من جهة أخرى، لم يعد الأمر مقتصراً على “الأعيان الكبار”، بل حتى منتخبون عاديون، بالكاد يعرفهم سكان دوائرهم الانتخابية، صاروا بدورهم يقيمون في شقق بإطلالة على المتوسط، شيء أشبه بـ”جنة سياسية”، تدار فيها كواليس المجالس، وتطبخ فيها التحالفات، وتُنسج فيها خيوط “البلوكاجات” القادمة.
من طنجة إلى تطوان، ومن العرائش إلى الحسيمة، الطريق يمر عبر “ماربيا”، وليس عبر أي مشروع تنموي على الأرض.
وفي ذات السياق، يطرح السؤال الذي لا يريد أحد أن يجيب عنه: كيف تشترى هذه العقارات؟ هل تمر عبر مكاتب الصرف المغربية أم من تحت الطاولة؟ وهل يتم التصريح الحقيقي بقيمة البيع، أم أن المبلغ يخفض على الورق ويكمل في الظل؟ وهل تحولت مكاتب الوساطة العقارية بإسبانيا إلى شركاء في تهريب الأموال بدل تسويقها؟
والأطرف، أن بعض هؤلاء لا يكتفي بالشراء فقط، بل يستخدم العقار كجواز عبور نحو الإقامة، وربما الجنسية.
ولم يعد السياسي المغربي يكتفي بجنسية ثقة المواطنين، بل صار يسعى لجنسية أوروبية تحفظ له ماء وجهه عندما “تسقط الحكومة” أو “تحل المجالس”.
إنها عقلية استباقية فعلاً، تشبه تلك التي يتحلى بها المهاجر غير النظامي الفرق فقط أن هذا الأخير لا يملك “ميزانية جماعية” في ظهره.
أما عن القانون، فهو بالطبع حاضر في النصوص فقط.
أما في الواقع، فصندوق الاقتراع قد أصبح طريقاً مختصراً نحو شقق مطلة على اليخوت، بينما الجماعات المحلية تتحول إلى صفحة منسية في سجل المعاناة اليومية للمواطنين.
وتبقى الخلاصة المؤلمة، أن الجنوب الإسباني، الذي كان إلى وقت قريب وجهة بارونات المخدرات، أصبح اليوم مصيفاً دائماً و”ملاذاً استثمارياً” لمنتخبينا.
هو نوع من التطور فعلاً، أن ننتقل من “البارون” إلى “المستشار”، ومن “المافيا” إلى “الماجور”،ولكن الفرق الوحيد أن البارون لم يكن يتحدث عن التنمية بينما السياسي لا يتوقف عن الحديث عنها وهو يحزم حقائبه نحو شاطئ “سوطو غراندي”.