تحولت مدينة طنجة خلال السنوات الأخيرة من مدينة ساحلية هادئة إلى واحدة من أهم الأقطاب الصناعية والاقتصادية بالمغرب، بفضل استثمارات ضخمة ومشاريع بنية تحتية كبرى، جعلت المدينة تتوسع عمرانياً بشكل متسارع وغير مسبوق.
هذا التحول الاقتصادي، رغم إيجابياته، كشف في المقابل عن هشاشة البنية الاجتماعية والأمنية للمدينة، التي لم تكن مهيأة لاستيعاب هذا الزخم التنموي والارتفاع المتزايد في عدد السكان.
وعرفت المدينة ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات الجريمة، وتنامياً لافتاً في أعداد المتسولين والقاصرين في وضعية الشارع، خصوصاً في الأحياء الشعبية والمناطق المجاورة لمحطات النقل ومحاور الطرق الكبرى.
ويبدو أن ظاهرة الهجرة غير النظامية أصبحت تستهوي عدداً متزايداً من القاصرين، الذين يتخذون من مجاري الصرف الصحي مخابئ لهم، تحولت بدورها إلى أوكار للاختباء وتعاطي المخدرات.
من جهة أخرى، يعاني سكان المدينة من مشاهد صادمة يومياً، حيث تنتشر مجموعات من الأطفال والشباب المدمنين على “السيلسيون” و”الهيروين” في أماكن غير مؤهلة، تشكل خطراً على أمن المواطنين وسلامتهم.
ويتحدث مواطنون عن سرقات متكررة بالمناطق المجاورة لقنوات الصرف الصحي، التي باتت مرتعاً لهذه الفئات المهمشة، في غياب حلول اجتماعية جذرية أو تحرك أمني كاف.
وفي هذا الإطار، يشبه بعض الفاعلين الجمعويبن ما تعيشه المدينة اليوم بمشاهد من مدن عالمية تعاني من انهيار اجتماعي، حيث تشبه بعض مناطق طنجة، حسب تعبيرهم، “نيودلهي” أو “كابول”، من حيث المشهد العام الذي يختلط فيه الفقر بالتشرد والإدمان، ما يشكل تهديداً حقيقياً لصورة المدينة السياحية والاقتصادية.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الوضع دفع عدداً من الجمعيات المدنية إلى دق ناقوس الخطر، مطالبة السلطات المحلية والمركزية بإطلاق برامج استعجالية للحد من هذه الظواهر، عبر توفير مراكز لإيواء القاصرين، وتقوية التواجد الأمني، وتعزيز آليات الإدماج الاجتماعي.
مدينة طنجة، وهي على مشارف استحقاقات تنموية جديدة، تقف اليوم أمام تحدٍ حقيقي، يتمثل في تحقيق توازن بين الطموح الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، في أفق بناء مدينة آمنة، متماسكة ومزدهرة.