لا يحتاج المواطن الطنجي إلى عدسة مكبرة ليكتشف أن شيئاً ما “ماشي في بلاصتو” في مشروع تهيئة سور “المعكازين”، لكن لحسن الحظ، يبدو أن والي جهة طنجة تطوان الحسيمة، يونس التازي، التقط هو الآخر الإشارة أخيراً، وقام بزيارة تفقدية للموقع صباح السبت، في محاولة لتصحيح ما يمكن تصحيحه من عبث هندسي غير منسجم لا مع التاريخ ولا مع الجغرافيا.
الوالي، الذي حضر رفقة الباشا وقائد المنطقة، لم يذهب في نزهة تصويرية أو زيارة بروتوكولية، بل سبقتها خطوة أكثر جرأة: إعفاء المهندس المسؤول عن هذه “الجريمة البصرية”، التي كادت أن تُحفر في ذاكرة الطنجاويين كواحدة من أسوأ عمليات التهيئة التي مست معلماً تاريخياً.
كما أن الانتقادات التي طالت المشروع لم تكن مجرد صراخ فيسبوكي، بل كانت مشفوعة بمعاينات ميدانية أظهرت أن التصميم الجديد يناقض تماماً الطابع الأصيل للسور.
طبعاً، لا أحد ضد التهيئة، لكن أن تتحول اللمسة المعمارية إلى لطمة حضرية، فذلك ما لا يمكن تبريره بخطاب “النية الحسنة”.
كشفت مصادر عليمة أن الوالي لم يكتف بغضب شعبي، بل عقد سلسلة اجتماعات “ماراثونية” على الطريقة المغربية مع المصالح التقنية، وانتهى الأمر بتغيير المهندس.
قرار جاء متأخراً قليلاً، لكنه أفضل من ترك الأمور على ما كانت عليه: سور يُشبه كل شيء إلا تاريخه.
المرحلة الجديدة من الأشغال، التي يشرف عليها مهندس “نسخة محسنة”، تهدف إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه: مساحات خضراء مرتبة، ممرات قابلة للاستعمال، وتجهيزات أقل استفزازاً لذوق المواطنين.
أما الورش القديم، فقد دخل في خانة “ما لا يجب تكراره”، كدليل حي على أن سوء التدبير قد يطال حتى الحجارة.
ويؤكد هذا التحرك مرة أخرى أن المشاريع التي تراد بها إعادة الاعتبار للتراث، قد تتحول بسرعة إلى عمليات “إعادة اعتبار للمقاول فقط”، إذا غابت المتابعة الحقيقية.
وربما كان من الأفضل أن تتم استشارة أهل المدينة قبل تحويل السور إلى ديكور مغاير تماماً لما تحتفظ به الذاكرة الطنجاوية.
وفي انتظار اكتمال الأشغال بصيغة “أقل إحراجاً”، يبقى الأمل معقوداً على أن تنجز مثل هذه المشاريع بروح المسؤولية وليس بروح “التصميم على الإزعاج”.