في مشهد يعكس أحيانا ميل البعض إلى الاصطياد في الماء العكر، تعرّض تصريح المستشار البرلماني ورئيس مقاطعة طنجة المدينة، عبد الحميد أبرشان، خلال انعقاد الدورة الثانية والعشرين للمجلس الإداري للوكالة الحضرية لطنجة، لتحريف واضح أخرجه عن سياقه الفعلي، ليتحوّل من نداء صريح إلى دعم الاستثمار السياحي إلى مادة “تحليل سياسي” بامتياز.
ويبدو أن بعض الآذان التقطت فقط ما أرادت سماعه، متجاهلة مضمون الخطاب الذي لم يكن يحمل أي نبرة انتقاد، بقدر ما كان تساؤلا مشروعا: لماذا لا تستفيد طنجة، بكل ما تزخر به من مؤهلات، من استثمارات سياحية تليق بها؟
و لم يُخفِ أبرشان، بل على العكس، عبّر بوضوح عن تقديره للمجهودات التي يبذلها والي الجهة يونس التازي، مؤكداً أن هناك خطوات ملموسة يشهد لها الجميع، ما يجعل “التأويلات” التي انتشرت بعد تصريحه أقرب إلى قراءة النوايا منها إلى قراءة الواقع.
من جهة أخرى، جاء رد الوالي خلال أشغال نفس الاجتماع محمّلاً برسائل مشفرة، بعضها اعتُبر، من طرف بعض الحضور، بمثابة “كلاش مؤدب” لأبرشان، حيث عدّد الوالي التازي جملة من المشاريع والمجهودات المبذولة على مستوى السياحة، بطريقة جعلت البعض يبتسم ويهمس: “باينة الرسالة وصلت!”.
وفي ذات السياق، علّق أحد الفاعلين المحليين بالقول: “لو أننا نبني المشاريع بنفس السرعة التي نبني بها التأويلات، لكانت طنجة تنافس برشلونة سياحيا!”، في إشارة ساخرة إلى ما وصفه بـ”الضجة المجانية” التي أثيرت حول التصريح.
وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن إنكار أن كلام أبرشان حين نُزِّه عن التحريف والقراءات المغرضة كان يصب في مطلب مشروع: طنجة مدينة بموقع استراتيجي، شواطئ خلابة، ومخزون ثقافي متنوع، لكنها لا تزال تبحث عن صناعة سياحية حقيقية تتجاوز الفنادق الموسمية والمطاعم العشوائية.
يُشار إلى أن المدينة، رغم ما تشهده من دينامية عمرانية، ما زالت تفتقر إلى استثمارات كبرى تُحدث فرقا ملموسا في العرض السياحي، ما يجعل من دعوة أبرشان بغض النظر عن نبرة أدائها تنبيها يجب أن يُؤخذ بعين الاعتبار، لا مادة للمهاترات السياسية.
ويبدو أن أبرشان لم يكن يتوقع أن ينقلب حديثه عن السياحة إلى عاصفة من التأويلات، لكنه على ما يبدو نسي أن بعض الألسن أسرع من رافعات البناء، وأكثر ميلا للتهويل من جذب الاستثمار.